الأخلاق سلوك وسجايا وطبائع وهيئات تتعلق بالإنسان إذا حسنت واستقامت وصلحت في كل ما يصدر عن صاحبها من أقوال وأفعال كانت دليلا واضحا وبرهانا ساطعا على قوة الإيمان، وعلى سلامة الوجدان، وعلى صدق التقيد بما يرضي الخالق عز وجل، بل إن بعض السلف الصالح كان يعتبر الدين هو الأخلاق الكريمة، ويعتبر الأخلاق الكريمة هي الدين.
فقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى “وإنك لعلى خلق عظيم” أنك على دين قويم عظيم.. وقال الإمام ابن القيم: الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
حسن الخلق
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه وقال: يا رسول الله ما الدين؟ فقال له: حسن الخلق، فأتاه الرجل من جهة يمينه وقال له: يا رسول الله، ما الدين؟ فقال له حسن الخلق، ثم أتاه الرجل من جهة شماله وسأله يا رسول الله، ما الدين؟ فقال له للمرة الثالثة: حسن الخلق، ثم جاءه الرجل من ورائه وسأله يا رسول الله ما الدين؟ فالتفت إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: “أما تفقه؟ هو ألا تغضب”.
يقول المفكر والفقيه الدكتور يوسف القرضاوي: الإسلام في جوهره رسالة أخلاقية بكل ما تحمله هذه الكلمة من عمق وشمول، ولا غرو أن تكون “الأخلاقية” خصيصة من خصائصه العامة.. وليس ذلك لمجرد أن الإسلام حث بقوة على الفضائل وحذر بقوة من الرذائل، ووصل في هذا وذاك إلى أعلى درجات الإلزام ورتب على ذلك اعظم مراتب الجزاء، ثوابا وعقابا في الدنيا والآخرة وليس ذلك أيضا لمجرد أن الإسلام عني بالأخلاق عناية بالغة حتى إن القرآن حين أثنى على الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجد أبلغ ولا أرفع من قوله “وإنك لعلى خلق عظيم” وحتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلخص الهدف من رسالته فيقول في إيجاز بليغ: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ليست الأخلاقية من خصائص الإسلام لمجرد هذا وذاك ولكن بالإضافة إلى ذلك لأن الأخلاقية تسري في كيان الإسلام كله، وفي تعاليمه كلها حتى في العقائد والعبادات والمعاملات وتدخل في السياسة والاقتصاد والسلم والحرب.
العبادات والأخلاق
وانطلاقا من كون الإسلام رسالة أخلاقية وأن عقيدته تربط الفضائل الأخلاقية بالإيمان وتجعلها من لوازمه وثمراته “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.. فقد جاءت عبادات الإسلام ذات أهداف أخلاقية واضحة.
فالصلاة وهي العبادة اليومية الأولى في حياة المسلم لها وظيفة مرموقة في تكوين الوازع الديني وتربية الضمير الديني “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” والصلاة كذلك مدد أخلاقي للمسلم يستعين به في مواجهة متاعب الحياة “يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة”.
والزكاة وهي العبادة التي قرنها القرآن بالصلاة ليست مجرد ضريبة مالية تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء.. إنها وسيلة تطهير وتزكية في عالم الأخلاق، كما أنها وسيلة تحصيل وتنمية في عالم الأموال.. “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها”.
والصيام في الإسلام، إنما يقصد به تدريب النفس على الكف عن شهواتها والثورة على مألوفاتها وبعبارة أخرى: إنه يهيئ النفس للتقوى وهي جماع الأخلاق الإسلامية: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.
والحج في الإسلام تدريب للمسلم على التطهر والتجرد والترفع عن زخارف الحياة وترفها وخضامها وصراعها.. ولذا يفرض الإسلام الإحرام ليدخل المسلم حياة قوامها البساطة والتواضع والسلام والجدية والزهد في مظاهر الحياة الدنيا “الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج”.
وحين تفقد هذه العبادات الإسلامية هذه المعاني -كما يقول الدكتور القرضاوي- ولا تحقق هذه الأهداف تفقد بذلك معناها وجوهر مهمتها وتصبح جثة بلا روح.
الأسوة الحسنة
وقد علمنا الإسلام أن حسن الخلق لا يتأتى عن طريق الأقوال وحدها، وإنما يتأتى بصورة اكمل وافضل عن طريق الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، والسلوك الحميد.
يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر: الأولاد الذين يرون في آبائهم كل سلوك فاضل، وكل قول جميل ينشأون في الأعم الأغلب وهم يعشقون كل خلق قويم وينفرون من كل سلوك رذيل، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه مثلا أعلى للخلق الذي يدعو إليه وكان يغرس في أصحابه هذا الخلق السامي بسيرته العطرة قبل أن يغرسه بما يقوله من حكم وعظات.
قال عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء تركته لم تركته..
كان صلى الله عليه وسلم إذا صافح إنسانا لا ينزع يده من يده حتى يكون ذلك الإنسان هو الذي يبدأ بنزع يده.. وكان إذا جلس بين أصحابه جلس بوقار وتواضع.. وكان يقول لأصحابه “لا تبلغوني عن أحد شيئا أكرهه فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”.